كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَلَعَلَّ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنِ السَّلَفِ مِنَ الْآثَارِ الَّتِي سُقْنَاهَا وَسَاقَهَا ابْنُ جَرِيرٍ وَالسُّيُوطِيُّ فِي رِسَالَةِ الْكَشْفِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذْ لَمْ يَثْبُتْ نَصٌّ نَبَوِيٌّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ مُدَّةَ الدُّنْيَا كَذَا، عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْآثَارَ الْقَاضِيَةَ بِأَنَّ مُدَّتَهَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ مُعَارِضَةٌ لِمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} (70: 4) قَالَا: هِيَ الدُّنْيَا أَوَّلُهَا إِلَى آخِرِهَا يَوْمٌ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ انْتَهَى. فَهَذِهِ الْآثَارُ مُتَعَارِضَةٌ كَمَا تَرَى، وَإِنَّمَا ثَبَتَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم أَنَّ بَعْثَتَهُ مِنْ آيِ قِيَامِ السَّاعَةِ. انْتَهَى كَلَامُ السَّيِّدِ الْعَلَّامَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرِ رَحِمَهُ اللهُ.
قَالَ صَاحِبُ الْإِذَاعَةِ: وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ مَرْعِيٌّ فِي بَهْجَةِ النَّاظِرِينَ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ السُّيُوطِيِّ فِي رِسَالَةِ الْكَشْفِ مَا نَصُّهُ: وَهَذَا مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَكَلَّمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ ظَنٌّ وَحُسْبَانٌ لَا يَقُومُ عَلَيْهِ بُرْهَانٌ. انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الْإِشَاعَةِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ السُّيُوطِيِّ: الَّذِي فُهِمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْمَهْدِيَّ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَأَنَّ عِيسَى يَمْكُثُ. بَعْدَ الدَّجَّالِ أَرْبَعِينَ سَنَةً كَمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْأَرْبَعِينَ بَعْدَ الدَّجَّالِ، وَأَنَّ بَعْدَ عِيسَى يَتَوَلَّى أُمَرَاءٌ مِنْهُمُ الْقَحْطَانِيُّ يَتَوَلَّى إِحْدَى وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَلْيُفْرَضْ لِبَقِيَّتِهِمْ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنَ الْمَغْرِبِ عِشْرِينَ سَنَةً أَيْضًا إِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ، فَهَذِهِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً، وَمَرَّ أَنَّ الدَّجَّالَ يَمْكُثُ أَرْبَعِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ سِنِينَ فَلَا أَقَلَّ مِنْ مِقْدَارِ سَنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ أَيَّامَهُ طِوَالٌ، وَأَنَّ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا يَمْكُثُ النَّاسُ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ الشِّرَارَ بَعْدَ الْخِيَارِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ، وَوَرَدَ أَيْضًا أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَتَمَتَّعُونَ بَعْدَ طُلُوعِهَا أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُسْرِعُ فِيهِمُ الْمَوْتُ فَهَذِهِ ثَلَاثُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ سَنَةً. وَقَدْ مَضَى بَعْدَ الْأَلْفِ قَرِيبٌ مِنْ ثَمَانِينَ، فَهَذِهِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَإِلَى تَمَامِ هَذِهِ الْمِائَةِ تَبْلُغُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَثَلَاثِينَ. وَقَدْ مَرَّ عَنِ السُّيُوطِيِّ أَنَّهَا لَا تَبْلُغُ خَمْسَمِائَةٍ بَلْ أَخَذَ بَعْضُهُمْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً} (47: 18) وَقَوْلِهِ: {لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً} أَنَّ السَّاعَةَ تَقُومُ سَنَةً 1407 فَإِنَّ عَدَدَ حُرُوفِ {بَغْتَةً} 1407 وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ، فَيُحْتَمَلُ خُرُوجُ الْمَهْدِيِّ عَلَى رَأْسِ هَذِهِ الْمِائَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَأَخَّرَ لِلْمِائَةِ الثَّانِيَةِ، وَلَا يَفُوتُهَا قَطْعًا، وَإِذَا تَأَخَّرَ فَلابد أَنْ يَبْعَثَ اللهُ عَلَى رَأْسِ هَذِهِ الْمِائَةِ مِنْ يُجَدِّدُ لِلْأُمَّةِ أَمْرَ دِينِهَا، كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ مَشْهُورٍ. وَهَذِهِ كُلُّهَا مَظْنُونَاتٌ وَرَدَ بِهَا آحَادُ الْأَخْبَارِ، بَعْضُهَا صِحَاحٌ، وَبَعْضُهَا حِسَانٌ وَبَعْضُهَا ضِعَافٌ مَعَ شَوَاهِدَ وَبَعْضُهَا بِغَيْرِ شَوَاهِدَ، وَغَايَةُ مَا ثَبَتَ بِالْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الْكَثِيرَةِ الشَّهِيرَةِ الَّتِي بَلَغَتِ التَّوَاتُرَ الْمَعْنَوِيَّ وُجُودُ الْآيَاتِ الْعِظَامِ الَّتِي أَوَّلُهَا خُرُوجُ الْمَهْدِيِّ، وَأَنَّهُ يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا، وَأَنَّهُ يُقَاتِلُ الرُّومَ فِي الْمَلْحَمَةِ وَيَفْتَحُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ، وَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي زَمَنِهِ وَيَنْزِلُ عِيسَى وَيُصَلِّي خَلْفَهُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ كُلِّهِ أُمُورٌ مَظْنُونَةٌ أَوْ مَشْكُوكَةٌ وَاللهُ أَعْلَمُ. انْتَهَى.
أَقُولُ: قَدْ عَلِمْتَ مِنْ هَذِهِ النُّقُولِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي عُمْرِ الدُّنْيَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ صَحِيحٌ، وَلَا حَسَنٌ وَأَنَّ الرِّوَايَاتِ فِيهِ إِمَّا ضَعِيفَةٌ وَإِمَّا مَوْضُوعَةٌ، وَأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ كُلَّ مَا وَرَدَ فِيهَا مِنْ مَرْفُوعٍ وَمَوْقُوفٍ وَمِنَ الْآثَارِ فَهُوَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الَّتِي بَثَّهَا فِي الْأُمَّةِ كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَوَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ وَأَمْثَالُهُمَا، وَلَوْ فَطِنَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ لِدَسَائِسِهِمَا وَخَطَأِ مَنْ عَدَّلَهُمَا مِنْ رِجَالِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ لِخَفَاءِ تَلْبِيسِهِمَا عَلَيْهِمْ لَكَانَ تَحْقِيقُهُ لِهَذَا الْبَحْثِ أَتَمُّ وَأَكْمَلُ.
وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ حَكِيمُ الْإِسْلَامِ الِاجْتِمَاعِيُّ ابْنُ خَلْدُونَ فِي مُقَدِّمَتِهِ عِنْدَ الْكَلَامِ فِي ابْتِدَاءِ الدُّوَلِ وَالْأُمَمِ وَمَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا قَالَ: فَكَانَ الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ آثَارًا مَنْقُولَةً عَنِ الصَّحَابَةِ وَخُصُوصًا مُسْلِمَةُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِثْلَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَأَمْثَالِهِمَا وَرُبَّمَا اقْتَبَسُوا بَعْضَ ذَلِكَ مِنْ ظَوَاهِرَ مَأْثُورَةٍ وَتَأْوِيلَاتٍ مُحْتَمَلَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ مَبَاحِثَ السُّهَيْلِيِّ فِي كَلَامِ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُغْنِي عَنْهُ مَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ أَيْضًا كَلَامَ الصُّوفِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَظُهُورَ كَذِبِ الْجَمِيعِ.
وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ حَزْمٍ (الْمُتَوَفَّى سَنَةَ 456) لَمْ يَعْبَأْ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى طُولِ بَاعِهِ وَسِعَةِ حِفْظِهِ لِلْآثَارِ، وَقَدْ سَبَقَ الْقَاضِيَ عِيَاضًا وَالْقَاضِيَ أَبَا بَكْرِ بْنَ الْعَرَبِيِّ، وَابْنَ خَلْدُونَ فِي رَفْضِهِ لِمَا قِيلَ فِي عُمْرِ الدُّنْيَا، وَعَجِبْتُ كَيْفَ غَفَلَ الْحَافِظُ عَنْ إِيرَادِ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى سِعَةِ اطِّلَاعِهِ. قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مَا كَانَ يَقُولُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فِي بَدْءِ الْخَلِيقَةِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا نَحْنُ- يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ- فَلَا نَقْطَعُ عَلَى عِلْمٍ عَدَدًا مَعْرُوفًا عِنْدَنَا، وَمَنِ ادَّعَى فِي ذَلِكَ سَبْعَةَ آلَافِ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَقَدْ قَالَ مَا لَمْ يَأْتِ قَطُّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ لَفَظَةٌ تَصِحُّ، بَلْ صَحَّ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم خِلَافُهُ، بَلْ نَقْطَعُ عَلَى أَنَّ لِلدُّنْيَا أَمَدًا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ تَعَالَى. قَالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} (18: 51) وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَنْتُمْ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ، أَوِ الشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي الثَّوْرِ الْأَبْيَضِ وَهَذِهِ نِسْبَةٌ مَنْ تَدَبَّرَهَا وَعَرَفَ مِقْدَارَ عَدَدِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَنِسْبَةِ مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ مَعْمُورِ الْأَرْضِ، وَأَنَّهُ الْأَكْثَرُ- عَلَى أَنَّ لِلدُّنْيَا أَمَدًا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَضَمَّ أُصْبُعَيْهِ الْمُقَدَّسَتَيْنِ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِأَنَّ السَّاعَةَ لَا يَعْلَمُ مَتَى تَكُونُ إِلَّا اللهُ تَعَالَى لَا أَحَدَ سِوَاهُ- فَصَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا عَنَى شِدَّةَ الْقُرْبِ لَا فَضْلَ الْوُسْطَى عَلَى السَّبَّابَةِ، إِذْ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَأُخِذَتْ نِسْبَةُ مَا بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ، وَنُسِبَ مِنْ طُولِ الْأُصْبُعِ- فَكَانَ يُعْلَمُ بِذَلِكَ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ، وَهَذَا بَاطِلٌ، وَأَيْضًا فَكَانَ تَكُونُ نِسْبَتُهُ صلى الله عليه وسلم إِيَّانَا إِلَى مَنْ قَبْلَنَا بِأَنَّنَا كَالشَّعْرَةِ فِي الثَّوْرِ كَذِبًا، وَمَعَاذَ اللهِ مِنْ ذَلِكَ، فَصَحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَرَادَ شِدَّةَ الْقُرْبِ. وَلَهُ صلى الله عليه وسلم مُنْذُ بُعِثَ أَرْبَعُمِائَةِ عَامٍ وَنَيِّفٍ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمَا بَقِيَ لِلدُّنْيَا، فَإِذَا كَانَ هَذَا الْعَدَدُ الْعَظِيمُ لَا نِسْبَةَ لَهُ عِنْدَمَا سَلَفَ لِقِلَّتِهِ وَتَفَاهَتِهِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مَا مَضَى فَهُوَ الَّذِي قَالَهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنَّنَا فِيمَنْ مَضَى كَالشَّعْرَةِ فِي الثَّوْرِ أَوِ الرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الْحِمَارِ. اهـ. كَلَامُ ابْنُ حَزْمٍ.
وَأَقُولُ: هَذَا كَلَامُ الْأَئِمَّةِ الْمُحَقِّقِينَ، فَالَّذِينَ حَاوَلُوا تَحْدِيدَ عُمْرِ الدُّنْيَا وَمَعْرِفَةِ وَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ إِرْضَاءَ شَهْوَةِ الْإِتْيَانِ بِمَا يُهِمُّ جَمِيعَ النَّاسِ، لَمْ يَشْعُرُوا بِأَنَّهُمْ يُحَاوِلُونَ تَكْذِيبَ آيَاتِ الْقُرْآنِ الْكَثِيرَةِ النَّاطِقَةِ بِأَنَّ السَّاعَةَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ الَّذِي اسْتَأْثَرَ اللهُ تَعَالَى بِهِ، وَأَنَّهَا تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ- أَيْ عَلَى غَيْرِ انْتِظَارٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلَا أَدْنَى عِلْمٍ. وَهَذَا الْبَلَاءُ كُلُّهُ مِنْ دَسَائِسِ رُوَاةِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ وَتَلْبِيسِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ وَالصَّلَاحِ وَالتَّقْوَى، وَمِنْ وَضْعِ بَعْضِ الِاصْطِلَاحَاتِ الْعِلْمِيَّةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا، كَكَوْنِ كَثْرَةِ الرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةِ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، فَإِنَّ هَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يُحْتَمَلُ إِرْجَاعُهَا إِلَى مَصْدَرٍ وَاحِدٍ يُعْنَى بِنَشْرِهَا وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا، كَمَسْأَلَةِ الْمَهْدِيِّ الْمُنْتَظَرِ الَّذِي هُوَ أَسَاسُ مَذْهَبٍ سِيَاسِيٍّ كُسِيَ ثَوْبَ الدِّينِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّ رِوَايَاتِهِ لَا تَخْلُو أَسَانِيدُهَا مِنْ شِيعِيٍّ، وَأَنَّ الزَّنَادِقَةَ كَانُوا يَبُثُّونَ الدَّعْوَة إِلَى ذَلِكَ تَمْهِيدًا لِسَلْبِ سُلْطَانِ الْعَرَبِ، وَإِعَادَةِ مُلْكِ الْفُرْسِ؟ وَكَكَوْنِ كَلَامِ الصَّحَابِيِّ فِيمَا لَا مَجَالَ لِلرَّأْي وَالِاجْتِهَادِ فِيهِ لَهُ حُكْمُ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَجِبُ تَقْيِيدُ هَذَا فِيمَا لَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الْمُجْتَهِدُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي مَوْضُوعِنَا هَذَا كَمَا رَأَيْتَ آنِفًا.
هَذَا وَإِنَّ لِمُتَقَدِّمِي أُمَمِ الْحَضَارَةِ الْأَوَّلِينَ مِنَ الْهُنُودِ وَالصِّينِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَقْوَالًا فِي عُمْرِ الدُّنْيَا وَتَارِيخِ الْبَشَرِ الْمَاضِي تُذْكَرُ فِيهِ الْأَرْقَامُ بِأُلُوفِ السِّنِينَ وَأُلُوفِ الْأُلُوفِ، وَقَدْ بُنِيَ بَعْضُهُ عَلَى رِوَايَاتٍ مَأْثُورَةٍ عَنْ قُدَمَائِهِمْ، وَبَعْضُهُ عَلَى اصْطِلَاحَاتٍ فَلَكِيَّةٍ وَأَوْهَامٍ تَنْجِيمِيَّةٍ لَا تُفِيدُ عِلْمًا صَحِيحًا.
وَأَمَّا عُلَمَاءُ الْكَوْنِ فِي هَذَا الْعَصْرِ فَلَهُمْ مَنْهَجٌ فِي عُمْرِ الْأَرْضِ الْمَاضِي، وَمَنْهَجٌ آخَرُ فِي تَارِيخِ الْبَشَرِ وَآثَارِهِمْ فِي الْقُرُونِ الْخَالِيَةِ: مَنْهَجَانِ عِلْمِيَّانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى مَا عُرِفَ بِالْحَفْرِ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ، وَمَا كُشِفَ مِنْ آثَارِ أَعْمَالِ الْبَشَرِ، وَمِنْ عِظَامِ مَوْتَاهُمْ وَرُفَاتِهِمْ، وَهُمْ يَجْزِمُونَ أَنَّ عُمْرَ الدُّنْيَا الْمَاضِيَ يُعَدُّ بِأُلُوفِ الْأُلُوفِ مِنَ السِّنِينَ، وَقَدْ وُجِدَتْ آثَارٌ لِلْبَشَرِ فِيهَا مُنْذُ مِئَاتِ الْأُلُوفِ مِنْهَا، وَذَلِكَ يَنْقُضُ مَا فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَكِنَّهُ لَا يَنْقُضُ مِنَ الْقُرْآنِ كَلِمَةً وَلَا حَرْفًا {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (4: 82) وَكَذَلِكَ أَحَادِيثُ الرَّسُولِ الْقَطْعِيَّةُ أَوِ الصَّحِيحَةُ الْقَرِيبَةُ مِنَ الْقَطْعِيَّةِ، الَّتِي لَا شُبْهَةَ فِيهَا لِلدَّسَائِسِ الْإِسْرَائِيلِيَّةِ، وَلَا لِلْمَكَايِدِ الْفَارِسِيَّةِ الْمَجُوسِيَّةِ. وَإِنَّنَا نُتَمِّمُ هَذَا الْبَحْثَ بِفَصْلٍ وَجِيزٍ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَأَمَارَاتِهَا؛ لِأَنَّنَا أَلْمَمْنَا فِي هَذَا الْفَصْلِ بِذِكْرِ أَهَمِّهَا، وَفِيهَا الشُّبْهَاتُ مَا فِي مَسْأَلَةِ عُمْرِ الدُّنْيَا، وَقِيَامِ السَّاعَةِ الَّتِي هِيَ أَمَارَاتُهَا فَنَقُولُ:
أَشْرَاطُ السَّاعَةِ وَأَمَارَاتُهَا:
إِنَّ لِلسَّاعَةِ أَشْرَاطًا ثَبَتَتْ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ تَعَالَى: {فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ} (47: 18) الْأَشْرَاطُ جَمْعُ شَرَطٍ بِفَتْحَتَيْنِ، كَأَسْبَابٍ جَمْعُ سَبَبٍ، وَهِيَ الْعَلَامَاتُ وَالْأَمَارَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى قُرْبِهَا وَأَعْظَمُهَا بَعْثَةُ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، بِآخِرِ هِدَايَةِ الْوَحْيِ الْإِلَهِيِّ لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ؛ لِأَنَّ بَعْثَتَهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَمُلَ بِهَا الدِّينُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (5: 3) وَبِكَمَالِهِ تَكْمُلُ الْحَيَاةُ الْبَشَرِيَّةُ الرُّوحِيَّةُ، وَيَتْلُوهَا كَمَالُ الْحَيَاةِ الْبَشَرِيَّةِ الْمَادِّيَّةِ، وَمَا بَعْدَ الْكَمَالِ إِلَّا الزَّوَالُ؛ لِأَنَّ الْبَقَاءَ فِي هَذَا الْعَالَمِ مُحَالٌ. وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ نَبِيَّنَا صلى الله عليه وسلم نَبِيُّ السَّاعَةِ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ الصَّحِيحَيْنِ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ يَدُلُّ بَعْضُهَا عَلَى أَنَّ الشَّهَوَاتِ الْمَادِّيَّةَ تَتَنَازَعُ مَعَ الْهِدَايَةِ الرُّوحِيَّةِ، فَيَكُونُ لَهَا الْغَلَبُ زَمَنًا ثُمَّ تَنْتَصِرُ الْهِدَايَةُ الرُّوحِيَّةُ زَمَنًا قَصِيرًا، ثُمَّ يَغْلِبُ الضَّلَالُ وَالشَّرُّ وَالْفُجُورُ وَالْكُفْرُ، حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ، وَلَكِنْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اخْتِلَافًا وَتَعَارُضًا، وَمَا يُنَافِي حِكْمَةَ اللهِ تَعَالَى فِي إِخْفَائِهَا، وَعَدَمِ اطِّلَاعِ الْخَلْقِ عَلَى وَقْتِهَا، وَبَعْضُهَا ظَاهِرٌ فِي قُرْبِ قِيَامِ سَاعَةِ دَوْلَةِ الْعَرَبِ أَوْ دَوْلَةِ الْإِسْلَامِ.
وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي إِقْبَالِ الدُّنْيَا وَسِعَتِهَا مِنْ أَمَارَاتِ السَّاعَةِ حَدِيثُ جِبْرِيلَ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَفِيهِ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا جَاءَ فِي صِفَةِ رَجُلٍ غَرِيبٍ، وَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ؛ لِيُعَلِّمَ الصَّحَابَةَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ- كَيْفَ يَسْأَلُونَ عَنْ دِينِهِمْ- ثُمَّ سَأَلَهُ عَنِ السَّاعَةِ قَالَ: «فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا. قَالَ: أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ» وَرَوَى هَذَا السُّؤَالَ وَحْدَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَلَكِنْ سَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا كَانَتِ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ رِعَاءُ الشَّاءِ رُؤُوسَ النَّاسِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ الْغَنَمِ فِي الْبُنْيَانِ فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا» قِيلَ: مَعْنَى وِلَادَةِ الْأَمَةِ رَبَّتَهَا كَثْرَةُ السَّرَارِي وَأَوْلَادِ السَّبَايَا- وَكَانَ لِهَذَا طَوْرٌ عَظِيمٌ فِي الْفُتُوحَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ- وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُلُوكَ وَالْأُمَرَاءَ يَكُونُونَ مِنْ أَوْلَادِ السَّرَارِيِّ لَا مِنْ أَوْلَادِ بَنَاتِ الْبُيُوتَاتِ الْعَرِيقَةِ فِي حُسْنِ التَّرْبِيَةِ وَعُلُوِّ الْأَخْلَاقِ، وَالْمُرَادُ بِصَيْرُورَةِ رِعَاءِ بِالْهَمْزَةِ أَيْ رُعَاةِ الْغَنَمِ وَأَهْلِ الْبَدَاوَةِ مِنْ أَصْحَابِ الثَّرْوَةِ وَالْبَذَخِ وَالْقُصُورِ الْعَالِيَةِ، أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ رُؤَسَاءٌ لِلنَّاسِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةُ، وَهَذَا قَدْ ظَهَرَ أَيْضًا فِي أُمَّتِنَا وَفِي غَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ، وَصَارَ بَعْضُ تَسَوُّدِ هَذِهِ الطَّبَقَةِ وَأَمْثَالِهِمْ فِي هَذَا الْعَصْرِ مَعْدُودًا فِي مَنَاقِبِهِ بَعْدَ فَسَادِ تَرْبِيَةِ كَثِيرٍ مِنْ أُسَرِ الْأَشْرَافِ وَالنُّبَلَاءِ وَاسْتِعْلَائِهِمْ عَلَى النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَكَانَ هَذَا مِنْ أَمَارَاتِ زَوَالِ الدَّوْلَةِ الْعَرَبِيَّةِ أَوِ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَهُوَ يَظْهَرُ فِي عَلَامَاتِ السَّاعَةِ الْخَاصَّةِ لَا الْعَامَّةِ.
وَأَجْمَعُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّنَدِ فِيمَا يَكُونُ قَبْلَ السَّاعَةِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَرَوَى هُوَ وَغَيْرُهُ مَا ذُكِرَ فِيهِ فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى مُفَصَّلَةٍ وَهَذَا نَصُّهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتَتِلَ فِئَتَانِ عَظِيمَتَانِ تَكُونُ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ دَعْوَتُهَا وَاحِدَةٌ، وَحَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، وَحَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ وَهُوَ الْقَتْلُ، وَحَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضُ حَتَّى يُهِمَّ رَبَّ الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ، وَحَتَّى يَتَطَاوَلَ النَّاسُ فِي الْبُنْيَانِ، وَحَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ، وَحَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَإِذَا طَلَعَتْ وَرَآهَا النَّاسُ آمَنُوا أَجْمَعُونَ فَذَلِكَ حِينَ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} (6: 158) وَلَتُقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ نَشَرَ الرَّجُلَانِ ثَوْبَهُمَا بَيْنَهُمَا فَلَا يَتَبَايَعَانِهِ وَلَا يَطْوِيَانِهِ، وَلَتُقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدِ انْصَرَفَ الرَّجُلُ بِلَبَنِ لِقْحَتِهُ فَلَا يَطْعَمُهُ، وَلَتُقُومَنَّ السَّاعَةُ وَهُوَ يَلِيطُ حَوْضَهُ فَلَا يُسْقَى فِيهِ، وَلَتُقُومَنَّ السَّاعَةُ وَقَدْ رَفَعَ أُكْلَتَهُ إِلَى فِيهِ فَلَا يَطْعَمُهَا» وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْجُمَلِ الْأَخِيرَةِ.
وَفِي الْأَحَادِيثِ أَشْرَاطٌ وَأَمَارَاتٌ أُخْرَى بَعْضُهَا صَارَ عَادِيًّا، وَبَعْضُهَا غَرِيبًا، وَيَقُولُ عُلَمَاؤُنَا إِنَّ مِنْهُ مَا وَقَعَ، وَبَاقِيهِ يُتَوَقَّعُ، وَفِيهَا تَعَارُضٌ وَتَنَاقُضٌ وَمُشْكِلَاتٌ حَارَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهَا، وَإِنَّنِي أَتَكَلَّمُ عَنْهُ كَلَامًا إِجْمَالِيًّا عَامًّا، وَأَبْسُطُ الْكَلَامَ فِي أَهَمِّهَا بَسْطًا خَاصًّا، وَلاسيما أَحَادِيثُ الدَّجَّالِ وَالْمَهْدِيِّ، فَأَلْقِ لَهُ السَّمْعَ وَوَجِّهْ إِلَيْهِ النَّظَرَ، فَهُوَ يُجْلِي الْعِبْرَةَ لِمَنِ اعْتَبَرَ.